صورة لغلاف كتاب العريش الحاج يحيى الغول

صفحة الحاج يحيى الغول على الفيس بوك

مقدمة كتاب سيناء المقدسة الحاج يحيى الغول


بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحديث عن سيناء , ذاك الجزء المهم من أرض مصر , وعمقها من الجهة الشرقية , يتوجب أن يبدأ أولاً بالحديث عن فلسطين , وعن بيت المقدس , الذي هو بمثابة القلب من الجسد لفلسطين والأمة , حيث إنها جزء من عقيدة المسلمين والعرب من الناحية الدينية وأن هذه المنطقة هي العمق الاستراتيجي لأمن مصر التي كرمها الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"[1] والتكليف من الله العلي القدير لرسوله الكريم والصحابة والتابعين إلى يوم الدين , لتحرير الأرض المباركة , وأن بيت المقدس وما حوله هو أرض الله التي هاجر إليها وأقام فيها سيدنا إبراهيم ولوط – عليهما السلام – وهي الأرض التي استقبلت بعثة الأنبياء , منهم إسحاق , وإسماعيل , ويعقوب , ويوسف وداود وسليمان وموسى وعيسى – عليهم السلام([2]). هذه الأرض المباركة هي وقف للمسلمين "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون"([3]).
ويؤكد القرآن الكريم شر هؤلاء القوم المغتصبين "وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً , فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً"([4]). كما أكد القرآن الكريم مدى ارتباط سيناء بالأرض المقدسة بقوله تعالى:"والتين والزيتون . وطور سينين . وهذا البلد الأمين"([5]).
وقد حاول اليهود عبر مراحل التاريخ  أن يتخذوا من تلك المنطقة وطناً لهم في فلسطين وسيناء وقد قوبل ذلك بالرفض التام من كافة الحكام الذين حكموا المنطقة بدءً من السلاطين العثمانيين الذين وقفوا في وجه كافة المحاولات الصهيونية "لمجرد الإقامة في أرض فلسطين" , ففي عام 1948م نادى علماء الأزهر أبناء العروبة والإسلام بوجوب الجهاد لحماية المسجد الأقصى , وإنقاذ فلسطين، والنداء هذا يعتبر نداءً مصرياً؛ لأن مصر قلب الأمة العربية والإسلامية , وهذا يدلل على أن أمن مصر يكمن في حدودها الشرقية وامتدادها في بلاد الشام , كما يعرف الخبراء أن سيناء من الأهمية والمكانة للربط بين الأمة العربية.
والنظرة إلى سيناء بحدودها مع فلسطين تتطلب منا أن نقدم مدخلاً مختصراً عن فلسطين , وبيت المقدس , لأهمية امتداد الحدود في تلك المنطقة الجغرافية المهمة لسيناء والمرتبطة بفلسطين وتاريخها قبل إنشاء الحواجز الاستعمارية والحدود القائمة للفصل بين الأمة.
إن أحداث التاريخ من فتوحات مصر القديمة والفتوحات الإسلامية والمعارك الحديثة, تؤكد هذا الارتباط حيث كانت أرض فلسطين بما فيها القدس تحت إمرة والي مصر, وأما من حيث طباع وعادات وتقاليد البشر في المنطقة , فأنهم في رباط إلى يوم الدين ضد هذا المغتصب سافك الدماء, وعدو البشرية, وقاتل الأنبياء, وناهب الثروات ومدمر البيوت "لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون"([6]).
 وقد ساهمت الأنظمة الدولية ممثلة في حكامها في مساندة عمياء لتلك القوى الطامعة في بلاد العرب والمسلمين , جاعلة هذا الكيان بقوة السلاح المدمر شوكة في خاصرة هذه الأمة لاستغلال ثرواتهم من خلال حقده على المسلمين والإسلام أرضاً وبشراً، كما رأينا في تدمير أفغانستان والعراق ولبنان ونهب الثروات فيها بقوة السلاح وحقدهم على ما في هذه الأرض من أدوات الصناعة والتجارة والبترول وخلافه في منطقتنا، ولذا وجب على المسلمين الوقوف بقوة في وجه تلك المحاولات لقوله تعالى "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"([7]) وقوله تعالى :"إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم"([8]) , وقوله تعالى :"انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله "([9]). وقوله تعالى :"أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير"([10]).
وهو ما أكده مؤسس مصر الحديثة محمد علي (1805 – 1848م) حيث قال : "إن أمن مصر من الجهة الشرقية – أي سيناء – يبدأ من فلسطين والشام , وكل المؤرخين يذكرون أن أمن مصر الشرقي يبدأ من سيناء ثم فلسطين والشام " , لذا أطلق عليها بوابة مصر الشرقية.
وقد شهد القرن العشرين أحداثاً قامت بها إسرائيل مِن تعدي على مصر في سيناء، وهو مادفعنا الى الكتابة لإبرازه في تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر الحديث، حيث نؤكد على أهمية دور سكان تلك المنطقة في الدفاع عن وطنهم في هذه الفترة، مؤمنين بحب الوطن والزود عنه بما حققوه من بطولات عظيمة ونبوغ بعض أبنائهم في صياغة تلك الأحداث من خلال ما حققوه من الحفاظ على التراث الأخلاقي والانضباط الديني والضبط الاجتماعي، رغم التطورات العالمية التي واكبتها ثورة إعلامية غير مسبوقة في القرون الماضية كانت لها الصدى الفعال على العدو الغاشم ورفع الهمة لمجتمع تلك المنطقة الذي دائما وأبدا يزود عنها بكل غالٍ ونفيس.
نسأل الله التوفيق في أن يكون الكتاب قد ألقى الضوء على الدور الذي قام به أبناء سيناء سواء كانوا من الحضر أو البدو في الوقوف ضد كل المحاولات الاستعمارية والصهيونية للنيل من تراب مصر الغالي.
                                                 
                                                 والله ولي التوفيق
                                                      المؤلف



[1] ) سورة الإسراء : الآية 1
[2] ) قصص الأنبياء
[3] ) سورة الأنبياء آية 105
[4] ) سورة الإسراء آية 25
[5] ) سورة التين من الآية 1 إلى 3
[6]) سورة المائدة : من الآية 78 إلى 81
[7]) سورة البقرة : آية 190
[8]) سورة التوبة : آية 39
[9]) سورة التوبة : آية 41
[10]) سورة الحج : آية 39