صورة لغلاف كتاب العريش الحاج يحيى الغول

صفحة الحاج يحيى الغول على الفيس بوك

التشريع الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي والقضاء العرفي


التشريع الإسلامي
مقارنًا بالقانون الوضعي
والقضاء العرفي في سيناء([1])

أولاً: جرائم القصاص والدية:
تتمثل في القتل العمد وشبه العمد والخطأ والجروح العمد والخطأ.
·     ففي الشريعة الإسلامية:
يجوز لولي المجني عليه أن يعفو عن القصاص وإذا تم العفو سقطت عقوبة القصاص كما يحق لولي الدم العفو نهائيا حتى عن الدية.
·     في القانون الوضعي:
يعاقب بالإعدام على القتل المقترن بسبق الإصرار والترصد وعلى قتل العمد بالسم والقتل المقترن بجريمة أخرى وفيما عدى ذلك فالعقوبة على القتل، الأشغال المؤبدة أو المؤقتة.
·     أما في القضاء العرفي:
فجريمة القتل العمد بعد قبول أهل المقتول (للجيرة) ثم التقاضي يكون الحكم بدية شرعية مغلظة كما يتم بحث الأسباب والحكم تعذيرًا على الأفعال المقرونة بجريمة القتل مضافة إلى الدية الأصلية.
القتل دفاعًا عن النفس والعرض والمال .
·     في الشريعة الإسلامية:
دفع الصائل، وقد روى عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قُتل دون ماله فهو شهيد"([2]).
وفي لفظ : " من أريد ماله بغير حق فقاتل فقُتل فهو شهيد"([3]).
وقد أقرت الشريعة الإسلامية الدفاع عن العرض والنفس والمال.
·     في القانون الوضعي:
أباح حق الدفاع عن النفس والمال والعرض بطريقة مقننة.
·     في القضاء العرفي:
يقر العرف حق الدفاع عن النفس والمال والعرض فإذا قتل المعتدي فله دم وعليه كل أسباب الاعتداء ونتائجها مما يجعل قصاص دمه بقيمة قليلة أمام أفعاله التي تقدر تقديرًا كبيرًا عليه وعلى عصبته ولابد أن يكون دفع الضرر مناسب مع الفعل.
ثانيًا: القصاص:
إذا ارتكب إنسان جريمة قتل عمد فإن ذلك يُثير ثائرة الغضب والحقد لدى أولياء المجني عليه، ويحملهم على الانتقام من الجاني دون أن يفرقوا بين مرتكب الجريمة وعصبته.
وهذا الأمر لا تقره الشريعة الإسلامية في الانتقام أو الحكم على غير الجاني، كما أن القانون الوضعي يُعاقب الجاني فقط دون غيره.
أما العرف في سيناء فقد كان قديمًا ينتقم من القاتل أو أحد من عصبته وقد تغير هذا المفهوم في سيناء بفعل الوازع الديني والثأر من القاتل نفسه.
والشريعة الإسلامية لم تعط الحق بإسراف وتجاوز عن الحد المطلوب وعدم التمثيل بالقاتل.
كما أن القانون هو الذي يقوم بالقصاص نيابة عن المجتمع مع أن الأصل كان حق الولي وفي ظل الدولة الحديثة المدنية أصبحت هي بمثابة الولي في القصاص.
ثالثًا: القصاص فيما دون النفس:
شرع الإسلام القصاص في النفس وفيما دونها على حد سواء والنصوص الشرعية في كتاب الله والسنة النبوية التي تقرر مشروعية القصاص وحكمته.
كما أن الشريعة الإسلامية تعتبر الدية بعد العفو ترضيه للمجني عليه ولا تفرق بين قوي وضعيف ولا شريف ووضيع ولا أبيض ولا أسود وقد تولى الإسلام تقدير الديات لمنع الشَطَط وتجاوز الحدود إلى قسمين من حيث وجوبها.
أ) الدية بعد العفو في القتل العمد:
دية مغلظة متفق عليها شرعًا.
ب) دية الخطأ وشبه العمد:
وهي واجبة ابتداءً ومخففة بسبب الخطأ الغير متعمد كما أن الدية الخطأ في الشريعة الإسلامية على عصبة الجاني (وهم العاقلة) والحكمة في ذلك المساعدة لعدم القصد والمسئولية من باب البعد الاجتماعي ومكارم الأخلاق.
·     في القانون الوضعي:
يتم إحالة القاتل إلى المحكمة لتصدر حكمها حسب مواد القانون الخاصة بتكييف الجريمة.
·     أما في القضاء العرفي:
تتم إجراءات بدءًا بتدخل كبار القبائل إلى أن يتم الاتفاق على القاضي المختص حيث يتم الحكم مقدرًا في النفس بمائة من الإبل وفيما دون النفس يتم تقدير الإصابات أو الكسور أو الجروح من قبل القاضي حسب السوابق القضائية والعرف السائد.
·     دية المرأة:
·     في الشريعة الإسلامية:
تحدث الفقهاء في دية المرأة واختلفت وجهات نظرهم فمنهم من اعتبر أن دية المرأة هي دية الرجل ومن هؤلاء المعاصرين، حيث أقروا المساواة بين الرجل والمرأة في النفس وما دونها.
وقد رجح العلماء القول أن دية المرأة على النصف من دية الرجل في النفس وما دونها.
·     في القانون الوضعي:
ساوى القانون في الحكم بالعقوبة في النفس وما دونها بين الرجل والمرأة.
·     في القضاء العرفي:
فإن الديات متساوية في النفس وما دونها ويتم التعذير حسب طريقة الاعتداء إذا كان القتل بجريمة أخرى مثل القتل مع الاعتداء على العرض أو خطف امرأة بالقوة أو الاعتداء على البيت والمرأة مع القتل فيكون الحكم رادعًا للفاعل.
المرأة في حالة قتلها مع الاعتداء على البيت تكون الدية مُربعة وفي حال قُتل الرجل في بيته دفاعا عن عرضه تكون الدية مُربعة.
رابعًا: أدلة الإثبات في جريمة القتل:
·     في الشريعة الإسلامية:
الإقرار – الشهادة – القسامة – القرائن.
·     في القانون الوضعي:
الإقرار – الشهادة – الأدلة الجنائية – الطب الشرعي – القرائن.
·     في القضاء العرفي:
الاعتراف الضمني أو الصريح – الشهادة – حلف اليمين – تتبع الأثر– القرائن.
خامسًا: الاعتداء على العرض:
·     في الشريعة الإسلامية:
وتشمل جريمة الزنا وهتك العرض، وجريمة القذف.
·     العقوبة في الشريعة الإسلامية:
أ) العقوبة على الزاني المحصن: الرجم (من الكتاب والسنة).
ب) عقوبة الزاني غير المحصن: الجلد مائة جلدة وتغريب عام.
·     عقوبة الزاني في القانون الوضعي:
أ)  إذا كان الزنا مع أنثى بالغة وبرضاها وغير متزوجة: فلا عقوبة في ذلك.
ب) إذا كانت متزوجة: فلا تتم العقوبة إلا بعد طلب الزوج كما له الحق في وقف تنفيذ الحكم بعد إصداره إذا عفى عن زوجته.
ج) الزنا مع القاصر بدون رغبتها: فيكون الحكم بالسجن على اعتبار أنها جناية.
د) في حالة الزنا بالإكراه: تكون العقوبة بالأشغال الشاقة المؤبدة.
·     العقوبة في القضاء العرفي:
لا يملك العرف حق الرجم أو الحكم بالسجن فالحكم يصدر بغرامة مالية والرحيل عن المكان حسب كل حالة على حدى، وتتمثل في الآتي:
أ) إذا كانت الجريمة مع بِِكر:
فيتم الزواج ودفع المهر إذا قبل أهل المجني عليها بالإضافة إلى التغريم للجاني وعصبته.
ب) إذا كانت الجريمة مع امرأة متزوجة:
فيتم تغريم الجاني على أساس الاعتداء على شرف الزوج وحق بيته والاعتداء على حق أهل الزوجة وكان في الماضي يتم قتل الزاني والزانية مع دفع الحق.

ج) الاعتداء على الأعراض دون الزنا:
فإن الأحكام العرفية تكون مشددة صونًا لحرمة النساء والمحافظة على الأعراض.
سادسًا: أدلة الإثبات في جريمة الزنا:
·     في الشريعة الإسلامية:
تتمثل في الاعتراف أو الإثبات بشهود على أن يكون العدد أربعة شهود وعدول، وأن يكونوا رجالاً بالغين عقلاء مسلمين على أن تكون شهادتهم صريحة بوصف الزنا ولا يؤخذ بشهادة ثلاثة من أربعة وأي خلل في الشهادة من واحد تؤثر على شهادة الآخرين.
·     في القانون الوضعي:
تتمثل في الاعتراف أو الشهود أو تثبت بالفعل من خلال أدلة مادية من مكاتبات أو تسجيلات.
·     في القضاء العرفي:
الاعتراف أو شهادة أربع شهود أو القسم للإثبات أو النفي كما يراعي القضاء العرفي درء الحدود بالشبهات مراعاة لحفظ الأعراض.
سابعًا: جرائم القذف:
·     في الشريعة الإسلامية:
قذف يستوجب الحد، وقذف يستوجب التعذير.
تخضع عبارة القذف تحت كل عنوان للقذف بالعبارة أو الإشارة أو الرسالة أو بالكناية، أما القذف الصريح فعقابه بالحد والقذف غير الصحيح فالعقوبة تعذيرًا وتتمثل العقوبات في الجلد ثمانين جلدة وبطلان شهادة القاذف وضرورة توبته.
كما أن التشريع الإسلامي يعاقب من كان كاذبًا بالاتهام بالزنا أو نفي النسب ولا يعاقب الصادق على صدقه.

·     في القانون الوضعي:
في حالة الإثبات يصدر الحكم بالحبس على القاذف حسب التكييف القانوني للقضية.
·     في القضاء العرفي:
يُعاقب القاذف في جميع أوجه الإساءة للغير إلا إذا أثبت ما يقول وهو ما يتفق مع الشريعة الإسلامية في صون وحماية المجتمع الإسلامي.
ثامنًا: الجناية على الأموال:
·     السرقة:
·     في الشريعة الإسلامية:
فرق الفقهاء بينها وبين الغصب والاختلاس، والحكم على السارق في الشريعة الإسلامية قطع اليد حسب الكتاب والسنة النبوية.
·     في القانون الوضعي:
تخضع السرقة لقانون الحكم وفيه الحبس.
·     في القضاء العرفي:
يصدر الحكم على السارق بقطع يده وتشترى بمال يقدره القاضي بالإضافة إلى رد المال المسروق.
تاسعًا: الحَرابة:
·     في الشريعة الإسلامية:
يعتبرها الفقهاء السرقة الكبرى تميزًا لها عن السرقات العادية وتتمثل في قطع الطريق عن الناس في أي مكان بإشهار السلاح وسلب الأموال بالقوة وتكون عقوبتها الشرعية في حال القتل وأخذ المال، فالفاعل يقتل ويصلب أما إذا تم القتل ولم يأخذ المال فالعقوبة القتل فقط.
أما إذا أُخذ المال ولم يتم القتل فتقطع يد الفاعل اليمنى ورجله اليسرى وفي حال تخويف أهل السبيل ولم يتم القتل ولم يأخذ المال فيتم نفي الفاعل وتشريده.
·     الحَرابة في القانون الوضعي:
هي جناية وتصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد أو المؤقت حسب توصيف الفعل على مواد القانون الخاصة بالجنايات.
·     الحَرابة في القضاء العرفي:
لا يحكم القضاء العرفي بالقتل أو بالسجن إنما يصدر أحكام مغلظة تجبر الجاني وعصبته على عدم العودة لمثل هذا الفعل.
وتعتبر مثل هذه الجرائم وكل عمل منها جريمة مستقلة، فقطع الطريق جريمة، وإشهار السلاح جريمة، وسلب الأموال جريمة، والقتل جريمة، وتكون على كافة الأحوال الحكم فيها مُربع مع إلزام عصبة الجاني على إبعاده وردعه أو إهدار دمه (تشميسه).
عاشرًا: جرائم الحدود والعفو:
·     في الشريعة الإسلامية:
تُجيز الشريعة الإسلامية للمجني عليه أو ولي دمه أن يعفو عن عقوبتي القصاص والدية، وليس له أن يعفو عن عقوبة الكفارة كما لا يؤثر عفوه على حق ولي الأمر في تعذيره.
·     في القانون الوضعي:
يؤخذ بالعفو كما لا يلتزم القانون أن يكون العفو مُلغيا للتعذير كحق لولي الأمر (المحكمة).
·     في القضاء العرفي:
يؤخذ بالعفو والحرية للمجني عليه أو وليه في التنازل عن حقه كيفما شاء عن حقه، وأصبح يتم التذكير أن العفو فيما يخص المجني عليه ولا يملك المجني عليه غير ذلك من حق شرعي كصيام ستين يومًا أو تعذير الحاكم.
من خلال المقارنة المختصرة يتبين أن القضاء العرفي لا يحيد في أصل قواعده عن الشريعة الإسلامية، التي هي الأصل ولا بديل عن قواعدها، لما فيها من خدمة الإنسانية في جميع حاجاتها ومتطلباتها وحماية الفرد والمجتمع لحياة كريمة، ومهما تقدم العالم لن يجد العدالة إلا في قواعد الشريعة الإسلامية ومقاصدها.
فقد مر بالإنسانية مراحل كثيرة تطورت معها التشريعات والقوانين، ولكن لن يكون إشباع الإنسانية في كل مناحي الحياة إلا من خلال الشريعة الإسلامية السمحة، التي تحفظ للإنسان حياة كريمة وقيم عظيمة، سواء كان ذلك للرجل أو المرأة، للطفل أو الشيخ.
فنجد العالم اليوم يبحث لنفسه عن قوانين وتشريعات تتمشى وتطوره، وذلك دليل على أن الثوابت لقواعد الشريعة الإسلامية ومقاصدها تتمشى مع كل عصر.
وعلينا جميعًا التمسك بشريعتنا السمحاء، من كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
حيث يقول تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}([4]).
ويقول الرسول الكريم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا، كتاب الله وسنتي"([5]).


















1) التشريع الجنائي الإسلامي مقارنًا بالقانون الوضعي : عبد القادر عودة, مؤسسة الرسالة, 1998م.
2) متفق عليه.
3) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه.
4) سورة آل عمران : الآية رقم 85.
5) رواه الإمام مالك في الموطأ مرسلاً, ورواه الحاكم من حديث ابن عباس وإسناده حسن, وقال الألباني حديث حسن "سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 1761".